تدويناتالمدونة

سألت صديقي المستقل لماذا يعمل في مقهى بدلاً من المنزل

إجابته أذهلتني.

زرت صديقي في أحد المقاهي الصغيرة في المدينة. يمكنك أن تشعر بالترحيب في مثل هذه المقاهي من خلال التفاصيل الجوّية مثل موسيقى الجاز الناعمة والموظفين الذين يتذكرون الطلبات المحددة.

هو مصمم مستقل. لديه عادة الاستيقاظ متأخراً، ثم يختار ساعات عمله بحرية، ومع ذلك يبدو دائماً هادئاً. أما أنا، فأجبر نفسي على الاستيقاظ في السابعة صباحاً، ثم أقضي ساعات طويلة أمام مكتبي، وأشعر بأن هناك شيئاً ناقصاً حتى بعد إنهاء عملي.

جلسنا معاً نتحدث عن أجواء المكان، وعن مسيرته مؤخراً في العمل الحر بالتصميم، وعن الفرص الجميلة المتوفرة حالياً أونلاين بمجالات مختلفة من العمل عبر الإنترنت.

وبينما تطور حديثنا نحو مناقشة سهولة العمل، سارعت بسؤاله السؤال الذي طال انتظاري له:

“يا رجل، أنت تعمل لحسابك الخاص. لا يوجد لديك مدير. ولا مكتب. ولا اجتماعات. لديك الحرية الكاملة للعمل من أي مكان. فلماذا تختار أن تعمل في مقهى يومياً بينما لديك حرية العمل من أي مكان؟”

ابتسم وأخذ رشفة من الكابتشينو قبل أن يشارك أفكاره بنبرة سرّية:

“لأنني في الواقع أنجز عملي هنا.”

قطبت حاجبي مندهشاً.

شقة صديقي مثالية. تضم مكتباً بحجم غرفة، وشاشتين، وكرسي عمل مريح قد يعشقه هواة جمع الأثاث العصري. أما المقهى، فيوفر طاولات غير مستقرة، وأشخاصاً يتحدثون، وأكواباً تصدر أصواتاً، مع موسيقى غير واضحة بين الفلك الشعبي والإيقاعات الهادئة.

بدى علي أنني لم أقتنع.





فرصة

🎯 هل تبحث عن طريقة فعالة للترويج لموقعك أو منتجك؟
📈 "سعيد ميديا" يستقبل آلاف الزوار شهريًا من جمهور مستهدف يهتم بالمحتوى العربي الرقمي.
✨ أعلن عبر موقعنا عبر إعلان مباشر أو مقال جيست بوست، واجعل علامتك التجارية تصل للأشخاص المناسبين في الوقت المناسب!




فبادرت لأعيد سؤالي له:

“كيف؟”

سألت بصدق، وأنا في حيرة.

ضحك قليلاً. ثم قال:

“الرغبة في البقاء في المنزل تتحول في النهاية إلى مصدر تشتيت يمنعك من العمل كما ينبغي. إنها فخ. سريرك هناك. الثلاجة تسرق انتباهك. نقرة واحدة على جهاز التحكم تأخذك لعالم آخر. والأسوأ من ذلك كله أن لا أحد يراقبك في المنزل.”

عندها فهمت.

سحر أن تكون مراقَباً

حدثني عن تجربته الغريبة حين يكون في بيئة عامة. فعلى الرغم من أن لا أحد يهتم فعلياً بما يفعله، إلا أنه يخدع نفسه ليظن أن الآخرين يلاحظونه.

وصف ذلك بأنه “نسخة مصطنعة من المسؤولية”. فعقله يوهمه بأن الآخرين يراقبونه، لذا لا يمكنه قضاء ساعة كاملة في تصفح الهاتف. الجلوس بانحناء سيجعله يبدو مهملاً، رغم أنه لا يوجد سبب واضح لرغبته في الظهور بمظهر حسن.

أومأت برأسي ببطء. بدأت الأمور تتضح.

كم مرة جلست في المنزل أعمل، فقط لأدرك بعد ساعة أنني كنت أشاهد فيديوهات عشوائية على يوتيوب عن أحداث تاريخية لا علاقة لها بعملي؟

المشكلة ليست في وجود المشتتات، بل في نوعها.

سألته متحدياً:

“لكن أليست المقاهي نفسها مشتتة؟”

فهذه الأماكن مليئة بأصوات آلات الإسبريسو، والناس، والضوضاء المحيطة.

هز رأسه قائلاً:

“لا، يا رجل. هذا هو الهدف.”

شرح لي أن المقهى يوفر نوعاً مثالياً من التشتيت الذي يساعد على التركيز، بدلاً من أن يعيق العمل.

في المنزل، المشتتات شخصية: هاتفك، تلفازك، أريكتك، كلبك الذي يطلب اهتمامك.

أما في المقهى، فالمشتتات محيطة: ضجيج في الخلفية، أحاديث الناس، رنين الأكواب — كلها تتلاشى تدريجياً وتكوّن إيقاعاً ثابتاً.

وصف ذلك بأنه يعمل كنوع من “الضوضاء البيضاء” التي تحفز الدماغ. فهي لا تجعل العقل خاملاً، لكنها لا تعيق تدفق العمل أيضاً.

قاعدة التركيز لمدة 90 دقيقة وأنت مستقل

يقسم بقاعدة بسيطة: فنجان قهوة = جلسة عمل واحدة.

يجلس ويطلب قهوته، ثم يكرّس وقته للعمل الحر كمستقل حتى ينتهي المشروب. لا يُسمح بإعادة التعبئة.

وحين ينتهي الكوب؟ يتحرك. أحياناً ينتقل إلى مقهى آخر. وأحياناً يذهب في نزهة قصيرة. فمدة بقائه في أي مكان قصيرة.

قال لي:

“هذا يُبقي ذهني منتعشاً. ويجبرني على أن أكون منتجاً في فترات قصيرة، بدلاً من إطالة المهام طوال اليوم.”

ربما هو على حق.

نظرت حولي. المقهى كان مليئاً بأشخاص منهمكين في الطباعة على الحواسيب المحمولة، أو رسم المخططات في دفاترهم، أو تقليب صفحات الكتب.

لطالما تساءلت عن سبب وجودهم في هذه الأماكن رغم أسعار القهوة المرتفعة. ربما كان لديهم سر لا أعرفه.

العمل من المنزل قد لا يكون منتجاً كما كنت أظن.

أدركت أن كفاءتي في العمل الحر كانت ضعيفة لأنني كنت أعتقد أنني بحاجة إلى إعداد مثالي لإتمام المهام.

ربما… حان الوقت لأن أبدأ العمل كمستقل من المقاهي أنا أيضاً.

الخاتمة

بعد أن وضعت حاسوبي في حقيبتي، قررت أن أزور مقهى في اليوم التالي. أولاً اشتريت كابتشينو، ثم جلست في مكان ألزمت فيه نفسي بأن أعمل طوال مدة المشروب.

بعد ساعة ونصف، كنت قد أنهيت مشروعاً كاملاً كان سيستغرق مني يوماً كاملاً في المنزل.

غادرت المقهى وأنا أشعر بخفة أكبر. شعور بالإنجاز. وربما حتى شعور يشبه صديقي.

والآن، فهمت.

البيئة المحيطة لها أهمية. المشتتات المناسبة تساعد. وأحياناً، كل ما تحتاجه هو قاعدة بسيطة تجعل العمل يبدو سهلاً.

لذا، في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها غير قادر على التركيز على عملك كمستقل تعمل من المنزل، جرب هذا الأسلوب:

اشترِ كوب قهوة. اجلس. اعمل حتى تنهيه.

قد تُفاجئ نفسك.

شكرًا على القراءة!

5/5 - (2 صوتين)

الحصول على إشعارات واتسآب من القناة الرسمية لموقع سعيد ميديا بأي مقال أو خبر تقني جديد أو فرص وظائف

سعيد الجمالي

شاب مغربي، صانع للمحتوى السمعي البصري والمكتوب، متخصص بالتسويق الرقمي عبر محركات البحث / مواقع التواصل / الإعلانات الممولة، ديزاينر وفيديو إديتور، خريج ليسانس جامعة الحسن الثاني، وشهادات من ISLI و Youtube و Edraak، مؤثر بأزيد من 4 قنوات يوتيوب وصفحات لأكثر من 118k Followers+ مؤسس SaidMedia.Pro و Biochra.com منغمس في التكنولوجيا منذ سنة 2013، خدمت أونلاين أزيد من 150 عميل، للأعمال contact@saidmedia.pro

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى