صناعة الإعلامالمدونة

لماذا لم نعد نقرأ الكتب كما في السابق؟

وهل يمكن للكتب أن تنقذنا مما تفعله بنا التكنولوجيا الرقمية؟

3.7
(3)

خلال العام الماضي، قرأتُ أربعة كتب فقط.


رقم ضئيل، أليس كذلك؟ يبدو أن الأسباب التي دفعتني لهذا التراجع في القراءة مشابهة لتلك التي تمنعك أنت أيضاً من قراءة عدد أكبر من الكتب. الأمر ليس سهلاً كما كان، فالتركيز على الكلمات والجُمل والصفحات أصبح تحدياً حقيقياً، بينما صارت قراءة فصل واحد من كتاب تبدو وكأنها مهمة شاقة، ناهيك عن إنهاء الكتاب بأكمله.

وما أن تُنهي كتاباً، حتى تجد نفسك تفكر في الكتاب التالي، ثم الشيء التالي، وما إلى ذلك والحياة مليئة بالتحديات والمشتتات وكثرة الأغراض التي يجب القيام بها ولو فقط على سبيل المتعة ليس بالضرورة أن تكون من الواجبات إلا أنها تفرض نفسها في عصر مواقع التواصل الإجتماعي التي عززت فينا نحن الشباب كثرة الكسل.

الأمل وسط التشتت

رغم ذلك، أحتفظ ببعض التفاؤل. معظم ليالي العام الماضي، كنت أحمل كتاباً – سواءً ورقياً أو إلكترونياً – وأبدأ بالقراءة. أقرأ كلمة، ثم جملة، ربما جملتين… لكن قبل أن أكمل الجملة الثالثة، أجد نفسي أحتاج إلى “شيء صغير إضافي.” ربما نظرة سريعة على البريد الإلكتروني في هاتفي، أو متابعة تغريدة طريفة، أو الإطلاع على رسائل وتعليقات المتابعين وهكذا، تتكرر الدوامة.

إن قراءة كتاب بنمط محدد مثلاً 10 صفحات يومياً صار أمر مرهق ومُحبط. وقد أجد نفسي أحياناً نائماً قبل أن أكمل الصفحة الخامسة.

إنشاء موقع إلكتروني على ووردبريس أو بلوجر أو أي سيستم آخر بشكل احترافي وآمن ومستقر، سعيد ميديا.

ما الذي يحدث لعقولنا؟

هذا النمط من السلوك أصبح شائعاً.، ليس لدي وحدي أو لديك أنت فقط، بل حتى المحترفون في مجال الثقافة والأدب يواجهون صعوبة في التركيز.

الرقصة مع التشتت

هذه المشكلة لا تقتصر على الكتب فقط، بل تتسلل إلى حياتنا اليومية أيضاً. يقول أحدهم في منشور عن التشتت: “عندما كنتُ أشاهد عرضاً لابنتي الصغيرة، ترتدي تنورة وردية وأذنين قطة. كان المشهد لطيفاً للغاية، وكان يجلب شعوراً فريداً من الفخر. ومع ذلك، كنت أمسك هاتفي لالتقاط الصور، ثم أجد نفسي أتفقد البريد الإلكتروني أو تويتر، فقط لأتأكد. مرة أخرى، كنت أقرأ مقالاً على هاتفي بينما كانت ابنتي الكبرى تتحدث معي. لم أستطع سماع ما قالته، لأنها فجأة أمسكت وجهي بين يديها وقالت لي: (انظر إليّ عندما أتحدث معك.)”. وأقول له: لقد كانت ابنتك محقة.

هل يمكن للكتب أن تنقذنا؟

لماذا لم نعد نقرأ الكتب كما في السابق؟
لماذا لم نعد نقرأ الكتب كما في السابق؟

هذا التشتت الرقمي الذي يغزو حياتنا يجعلنا نفقد القدرة على الاستمتاع باللحظات البسيطة والتركيز على ما هو مهم. قراءة الكتب قد تكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذنا من هذا الفوضى. الكتب ليست مجرد كلمات مكتوبة؛ إنها رحلة، ومكان نعود إليه عندما نحتاج للهدوء وإعادة الاتصال بأنفسنا.

ربما يجب أن نعيد النظر في علاقتنا مع الكتب، وأن نعتبرها حلاً وليس عبئاً. إذا أردنا أن نستعيد قدرتنا على التركيز والانغماس في الثقافة، فإن الكتب قد تكون البداية المثالية، ولكن لا ننسى هويتنا الأصلية وكتابنا الأعلى وهو القرآن الكريم فهو الأحق بالقراءة أولاً ثم الكتب المهمة في ديننا والعلمية، ثم الروايات وغيرها للتسلية والتثقيف.

استعادة التركيز: كيف تعيد الكتب تشكيل عقولنا في عصر الانتباه المبعثر

في عصر يغلب عليه الضجيج الرقمي، أصبحت قدرتنا على التركيز تُستنزف بشكل لم نكن ندركه مسبقًا، أجهزتنا الذكية، المليئة بالتطبيقات والمغريات، تطالبنا بانتباهنا بشكل مستمر، تلك الإشعارات والإيميلات والتغريدات، التي تمنحنا دفعات صغيرة من الدوبامين، أصبحت أشبه برافعة المتعة التي تضغط عليها الجرذان في التجارب حتى الهلاك، متخلية عن الطعام وحتى الراحة.

لكن في خضم هذا الضجيج، تظهر الكتب كواحة تهدئ العقول المتعبة وتمنحنا فرصة للتأمل والتركيز. الكتب، بخلاف أي وسيلة أخرى، تجبرنا على مشاركة عقولنا مع أفكار كاتب آخر، كلمةً بكلمة، مما يخلق حالة من التأمل العميق والاتصال الفريد.

كيف تسيطر التكنولوجيا على عقولنا؟

وفقًا لدراسات علم الأعصاب، فإن المعلومات الجديدة تحفز إفراز الدوبامين، وهو ناقل عصبي يعطينا شعورًا بالسعادة. ولكن هذه التحفيزات السريعة تخلق أنماطًا عصبية تجعلنا ندمن على التحقق المستمر من أجهزتنا الرقمية.

بمجرد أن يصبح هذا السلوك عادة، يتحول إلى دورة لا نهائية: نعمل، نشعر برغبة للتحقق من البريد أو وسائل التواصل، نحصل على دفعة دوبامين، ثم نعود للعمل. كل دورة تجعل الدماغ أكثر اعتيادًا على هذه العادة.

الكتب: علاج للتشتت الرقمي

في لحظة إدراك لحجم المشكلة، قرر أحد القُرَّاء إجراء تغييرات بسيطة لكنها في الحقيقة جذرية، كانت البداية بالتخلي عن استخدام الأجهزة الذكية في غرفة النوم، والتوقف عن مشاهدة التلفاز بعد العشاء، واستبدال هذه الأنشطة بقراءة الكتب.

وكانت النتيجة مدهشة بالفعل: بدلاً من الكفاح لاستعادة التركيز، وجد عقله مساحة للهدوء والتأمل، وعاد للاندماج مع الكتب كما كان في السابق.

القراءة كوسيلة لإعادة برمجة العقل

الكتب ليست مجرد أدوات للتعلم أو الترفيه؛ إنها وسائل تعيد تشكيل تفكيرنا وتمنحنا هدوءًا مفقودًا. من خلال تقليل الاعتماد على التدفق المستمر للمعلومات الرقمية، يمكن للكتب أن تساعدنا على تحسين قدرتنا على التركيز، وزيادة إنتاجيتنا، واستعادة السلام الداخلي.

خطوات عملية للابتعاد عن الإدمان الرقمي

  • تقليل استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي خلال ساعات العمل.
  • تجنب استخدام الهواتف الذكية في أوقات النوم.
  • تخصيص وقت يومي للقراءة بعيدًا عن أي شاشات.
  • استبدال مشاهدة التلفاز بقراءة الكتب قبل النوم.

النتيجة: حياة أكثر تركيزًا وهدوءًا

قد تبدو هذه التغييرات صعبة في البداية، ولكنها تؤدي إلى تحولات إيجابية عميقة.

استعادة القدرة على قراءة الكتب ليست فقط فرصة للعودة إلى عالم من المعرفة والتأمل، بل هي أيضًا وسيلة لتحرير عقولنا من قيود التكنولوجيا الحديثة.

الكتب، كما كانت دائمًا، هي بوابتنا لعوالم أكثر جمالًا ومعنى، وهي أيضًا طريقنا لإعادة تشكيل عقولنا المبعثرة، والوصول إلى مختلف العلوم، وتحقيق النجاح الذي نرموا إليه، فكثير من الناجحين في الحياة الدنيا لا تفارقهم الكتب يوماً بعد يوم، على سبيل المثال أحد المولوعين بالقراءة نشرت قصة نجاح بيل غيتس في هذا المقال يمكن قراءته وقد كان للكتب نصيب في تحقيق نجاحه.

تبقى الكتب أكثر من مجرد صفحات مليئة بالكلمات؛ إنها مساحة للهروب من صخب الحياة الرقمية، ونافذة نطل منها على عوالم أخرى تحمل معها الحكمة والمعرفة والمتعة. إنها دعوة صامتة لاستعادة أنفسنا وسط ضجيج التكنولوجيا وصخب الحياة اليومية.

عندما نختار أن نغلق شاشاتنا ونعيد فتح كتاب، فإننا لا نقرأ فقط، بل نعيد اكتشاف جزء من أنفسنا، جزء يبحث عن الهدوء، عن التركيز، عن المعنى، الكتب ليست مجرد وسيلة لقضاء الوقت؛ إنها رفيق صادق، يعيد تشكيل أرواحنا ويمنحنا لحظات لا تُنسى، بعيدًا عن الإشعارات والتنبيهات.

لعل أجمل ما في القراءة أنها تعلمنا الصبر، وتغرس فينا الشعور بالانتماء لعالم أعمق وأوسع من مجرد نقرة زر، بين دفتي كل كتاب، هناك عالم ينتظر من يكتشفه، وقصة تنتظر أن تُحكى، وذات تنتظر أن تُستعاد.

المصدر: ميديوم

كم كانت هذه المقالة مفيدة؟

انقر على النجمة لتقييمها!

معدل التقييمات: 3.7 / 5. عدد الأصوات: 3

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يضع تقييمه

اظهر المزيد

سعيد الجمالي

مؤسس "سعيد ميديا SaidMedia.Pro" مدرس و صانع محتوى على الويب مدير لعدة مواقع إلكترونية ومدونات وقنوات، ورائد في العمل الحر عبر الإنترنت على خمسات ومستقل وغيرها، للأعمال contact@saidmedia.pro

‫2 تعليقات

  1. أنا بردو نفس المشكله خلال تلات شهور علي طول بطلت اقدر اقرأ الكتب كنت بقرا من عشرين لأربعين صفحة يوميا من روايات نجيب محفوظ بس دلوقتي ملحقش اقرا ولو 15 صفحة وابطل قراءة معرفش ايه تاثير التكنولوجيا على عقولنا بشكل علمي بالزبط؟؟
    لانو ده السبب في مشاكل الصحة النفسية كلها والملل من مطالعة الكتب، مشكور سعيد على المقال ده وبتمنى مقال تاني فيه تركات كده عشان القراءة بشكل فعال وبعض الكتب الكويسة خصوصا روايات الادب والخيال

    1. العفو
      طبعاً سأحاول في الفترة المقبلة كتابة مقال عن طرق مجربة لقراءة الكتب بشكل فعّال وممتع، وربما مقال آخر أقترح فيه مجموعة من الكتب الرائعة والأكثر شهرة في مجالي الأدب والخيال إن شاء الله.
      شكرا لمرورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى