مايكروسوفت تكشف عن أقوى مركز بيانات للذكاء الاصطناعي في العالم

أعلنت مايكروسوفت هذا الأسبوع عن تدشين سلسلة من مراكز بيانات جديدة مخصصة للذكاء الاصطناعي حول العالم، في خطوة تؤكد استثمارها الضخم في البنية التحتية اللازمة لدعم التطبيقات السحابية وأحدث نماذج الذكاء الاصطناعي.

وكشفت الشركة عن افتتاح مركزها الجديد Fairwater في ولاية ويسكونسن الأمريكية، والذي يعد أكبر وأحدث “مصنع للذكاء الاصطناعي” أنشأته حتى الآن. يمتد المركز على مساحة 315 فداناً ويضم ثلاثة مبانٍ عملاقة بمساحة إجمالية تبلغ 1.2 مليون قدم مربع، مزودة بمئات الآلاف من معالجات الرسوميات NVIDIA GPUs المترابطة بشبكة واحدة فائقة السرعة، ما يجعله يعمل كسوبركمبيوتر موحّد يتجاوز أداؤه أسرع حاسوب عملاق في العالم بـ10 أضعاف.

إلى جانب الولايات المتحدة، أعلنت مايكروسوفت عن مشاريع موازية في أوروبا، من بينها تطوير مركز بيانات ضخم في نارفيك بالنرويج بالشراكة مع شركتي nScale وAker JV، وإنشاء أكبر حاسوب فائق في المملكة المتحدة بالتعاون مع nScale في لوتون.

وتمثل هذه المراكز استثمارات بمليارات الدولارات، مصممة خصيصاً لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على نطاق غير مسبوق. كما أنها تتصل بشبكة مايكروسوفت السحابية العالمية المكونة من أكثر من 400 مركز بيانات في 70 منطقة مختلفة، مما يتيح توزيع القدرات الحاسوبية وتوسيع الوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي حول العالم.

ولم تغفل الشركة البعد البيئي، إذ اعتمدت أنظمة تبريد سائلة مغلقة تقلل استهلاك المياه بشكل كبير، حيث تتم إعادة تدوير المياه داخل النظام دون هدر. ويعتبر هذا التوجه جزءاً من إستراتيجية مايكروسوفت لتقليل الأثر البيئي لمراكز البيانات عالية الكثافة.

وأكدت مايكروسوفت أن هذه المراكز الجديدة تمثل نقلة نوعية في بنية الحوسبة السحابية، حيث تم تصميمها لتكون بمثابة “مصانع عصر الذكاء الاصطناعي”، قادرة على معالجة تريليونات العمليات الحسابية في الثانية وتدريب النماذج العملاقة بكفاءة غير مسبوقة.

بهذا الإعلان، تواصل مايكروسوفت تعزيز موقعها كأحد أبرز اللاعبين في سباق البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، واضعة أسس الجيل القادم من الحوسبة الفائقة السحابية.

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد برمجيات أو خوارزميات يتم تشغيلها على حواسيب تقليدية، بل أصبح يتطلب مراكز بيانات فائقة القدرة تُبنى خصيصاً للتعامل مع نماذج ضخمة تضم تريليونات المعاملات الحسابية. وفي هذا السياق، تخوض كبرى الشركات العالمية مثل مايكروسوفت، غوغل، أمازون وميتا سباقاً محموماً لبناء جيل جديد من مراكز البيانات المصممة لعصر الذكاء الاصطناعي.

إطلاق مايكروسوفت لمركز Fairwater في ويسكونسن يمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز تفوقها في مجال البنية التحتية، خصوصاً وأن هذا المركز يضم أحدث تقنيات NVIDIA Blackwell GPUs التي تعتبر قلب الثورة الحالية في الذكاء الاصطناعي. وبفضل هندسة الشبكات الفائقة التي تربط مئات الآلاف من هذه المعالجات، يتحول المركز إلى سوبركمبيوتر موزّع قادر على تدريب نماذج بحجم لم يكن ممكناً قبل سنوات قليلة.

هذه المراكز لن تخدم فقط منتجات مايكروسوفت مثل Copilot وAzure AI، بل ستوفر أيضاً قوة حوسبة ضخمة لشركات ناشئة ومؤسسات بحثية عالمية، مما يساهم في دمقرطة الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. فبدلاً من أن تظل قدرات التدريب العملاقة حكراً على عدد محدود من الشركات، بات بإمكان أي مؤسسة الاستفادة من هذه البنية عبر السحابة.

إلى جانب ذلك، تسعى مايكروسوفت إلى جعل هذه المراكز أكثر استدامة بيئياً من خلال تقنيات التبريد السائل وإعادة تدوير المياه، لتقليل استهلاك الطاقة والموارد مقارنةً بالمراكز التقليدية. هذا التوجه أصبح ضرورة، خاصة مع الارتفاع المتزايد في البصمة الكربونية لمراكز البيانات عالمياً.

ويرى محللون أن مثل هذه المشاريع الضخمة ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات المحلية. ففي حالة ويسكونسن مثلاً، وفر مشروع Fairwater آلاف فرص العمل في البناء والهندسة والتكنولوجيا، إلى جانب كونه رافعة لجذب الاستثمارات في مجال التقنية المتقدمة إلى المنطقة.

أما على المستوى العالمي، فإن ربط هذه المراكز في شبكة سحابية موحدة سيتيح لمستخدمي مايكروسوفت الوصول إلى قوة حوسبة بحجم أكبر من أي حاسوب فائق فردي موجود حالياً. هذا يعني أننا ندخل فعلياً عصر “المصانع الرقمية” التي ستنتج تطبيقات الذكاء الاصطناعي بنفس طريقة المصانع التقليدية التي تنتج السيارات أو الأجهزة.

ومع توقع تضاعف الطلب على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي خلال الأعوام المقبلة، يبدو أن استثمارات مايكروسوفت بمليارات الدولارات ليست سوى البداية في سباق عالمي سيحدد من سيتحكم في “الوقود الرقمي” لعصر الذكاء الاصطناعي.